مدن الانقلابات : من انقلاب إلى آخر

مدن الانقلابات : من انقلاب إلى آخر
إنه زمن الردة و الرداءة و زمن المؤامرات التي لم تعد تحاك في الظلمة بل علنا و بوجه سافر. بصمت بصمت تعلن المهازل السافرة من يوم إلى آخر فمدن الانقلابات لا يمكن أن تصنع إلا الانقلابات ولا يمكن أن تنتصر إلا للخديعة. هكذا في بلدي الجميل ينقلب كل شيء إلى ضده و لكن نحو التعاسة والرذيلة والموت لم يعد قادما لا من الغرب ولا من الشرق بل أصبح يطبق علينا الآن وهنا.
إننا في هذا البلد الذي نحبه كما لا يحب البلاد أحد محاصرون بالموت البطيء. إن قدرنا أن نحيا في زمن الانقلابات وفي وطن غدا عنوانه لا شرعية ولا قانونية خارج جبة السلطة فكل المنظمات و الجمعيات و الأحزاب يجب أن تكون على قياسها.فالاستقلالية والنضالية كلمتان لا معنى لهما في قاموس المتسيدين الخادمين الطيعين لإلههم الواحد رأس المال الناهب لخيرات الشعوب وثرواتها. لقد أصبح الانقلاب على الشرعية والاستقلالية والممارسة الديمقراطية صناعة تونسية وماركة مسجلة تحركها السلطة مستعملة في ذلك زبانية من كل طيف واتجاه ولون وهم يمثلون فئة انتهازية ذات أفق ضيق و متكالبة على الجلوس فوق الكراسي الناعمة. ورغم مرارة ما حدث وما يحدث فإن الذاكرة لا يمكن أن تكون سجينة النسيان وإن كانت في مدن الانقلاب فملحهم سينبت حتما حفّاري قبورهم. إذن الذاكرة لن تنسى انقلاب طلبة الدساترة في قربة 72 ولا انقلابات الشرفاء على الاتحاد العام التونسي للشغل و لا الانقلاب على جمعية القضاة ولا انقلاب الهيئة الادارية الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل على استقلالية الاتحاد وديمقراطيته من خلال مهزلة التزكية ولا انقلاب اليوم على شرعية النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين من خلال مؤتمر استثنائي خياني . هذا الانقلاب هو حلقة من حلقات تاريخ انقلابات مدن الانقلاب والقادم أعظم لعل من أهم سيناريو هاته اعداد المركزية النقابية لانقلاب على القانون الأساسي للاتحاد العام التونسي للشغل في فصله 10 والقاضي بالترشح للمكتب التنفيذي لدورتين فقط. الأمر لا بجب أن يكون في تقديرنا محل استغراب لأننا لا نحمل وهما عن الديمقراطية في هذا القطر, فالبرجوازية تنتج مجتمعا على شاكلتها والكمبرادور الخانق للحريات الفردية والجماعية والمعادي لمصالح شعبنا المضطهد والمفقر لا يمكن أن ينتج إلا مجتمعا تعشش فيه الانتهازية ويكون الشعار السائد إن لم تكن رهن طواعيتي فسأنقلب عليك. فلنتقمص دورنا التاريخي الحقيقي وننحاز فعليا إلى القضايا العادلة لفئات شعبنا المقموعة والمستغلة ولنكن صوتا جريئا حرا رافضا لكل انقلاب ولكل مؤامرة تعمق تخلف قطرنا وتعزز مواقع قوى القمع والاضطهاد ومن يدور في فلكهم ممن باعوا ضمائرهم وكانوا خدما مدفوعي الثمن حتى لا تتقمصنا هذه الانقلابات وتحولنا إلى دمى تلهو بنا أيادي رجعية عميلة تصفوية.
محمد الأهوازي
الإثنين 17 أوت 2009
المصدر : الفضاء النقابي الديمقراطي "ضدّ التجريد"
الرابط : http://fr.groups.yahoo.com/group/contre_tajrid /