ملاحظات نقدية للإصلاحية والإنتهازية اليمينية في مسار الإنتفاضة الشعبية في تونس
ملاحظات نقدية للإصلاحية والإنتهازية اليمينية في مسار الإنتفاضة الشعبية في تونس
زهير اللجمي
الوطنيون الديمقراطيون
30 أوت 2011
www.jadal.eu
برغم كلّ ادّعاءاتها المخادعة بكونها تمثل مصالح الطبقة العاملة في تونس لا يشذ جوهر الإصلاحية عن كونها تهمل بل وتضرب المصالح الأساسية والجوهرية لجماهير الشعب والطبقة العاملة والمتمثلة بالأساس في إنجاز مهام التحرّر الوطني الديمقراطي وتدمير دولة الإستعمار الجديد باعتبارها الركائز الأساسية في برنامج الحدّ الأدنى للطبقة العاملة مستعيضة عن ذلك بجملة من الإصلاحات السياسية "الوهمية" تهدف في الواقع إلى حرف مسيرة نضالات جماهير الشعب عن مهامها, وتحجب طبيعة دولة الإستعمار الجديد, على هذا يكتسي فضح السياسة الإصلاحية وتفكيكها وكشف طبيعتها الإنتهازية والنضال ضدّها أهمية قصوى في تحديد المعالم المستقبلية لنضال الطبقة العاملة وجماهير شعبنا وعلى رأسها سيرورة بناء طليعة الطبقة العاملة حزبها الثوري الشيوعي. إنّ النضال ضدّ الإمبريالية يمرّ حتما عبر النضال دون هوادة ضدّ الإنتهازية. لذلك ارتأينا في هذا المجال الضيق تقديم ملاحظاتنا النقدية رغما عن كوننا متأكدون من أن ذلك لن يروق للعديد بل سيغضب الكثير الذين سيجدون تبريرات متنوعة لعكس الهجوم تحت أقنعة ومبرّرات ايديولوجية وسياسية عدّة مثل أهمية الوحدة في الظرف الراهن وغيرها من المقولات التي تساق لا للوحدة الثورية الحقيقية بل تروّج بهدف الإحتواء وتذييل القوى المناضلة وراء السياسة الإصلاحية عامة...
جاء في بيان جبهة 14 جانفي الصادر في 26 جانفي 2011 والمعنون:*مبادرة "جبهة 14 جانفي"لتحقيق الإنتقال الديمقراطي:"المؤتمر الوطني لحماية الثورة"* ما يلي:
" 2- يتوجه "المؤتمر الوطني لحماية الثورة", بعد تشكله, عبر ممثلين يختارهم, إلى الرئيس الحالي المؤقت الذي يقبل به المؤتمر لتيسير عملية تجاوز المرحلة الانتقالية, لإصدار مرسوم يشرّع وجود المؤتمر."
صدر هذا البيان في 26 جانفي 2011 عندما كانت الجماهير الشعبية الغفيرة في تونس تملأ الشوارع والساحات في جميع المدن والقرى, وكانت تهدر بأصواتها القوية وتهتف عاليا ضدّ نظام العمالة والخيانة الوطنية فاضحة بذلك جميع رموزه ومطالبة بمحاسبتها ومحاكمتها وطردها من مواقعها.
ومن بين الشعارات التي رفعت بصفة جماهيرية, "لا مبزع لا غنوشي كان تبدى الخبزة بلوشي", "ديقاج ديقاج ديقاج يا وحوش الديكتاتور فهمها وانتم ما فهمتوش", "يا شعب ثور ثور على بقايا الديكتاتور", وغيرها من الشعارات الثورية التي صاغتها الجماهير المنتفضة مع طلائعها المناضلة والتي عبّرت بأشكال عدّة عن تعلّق تلك الجماهير بمواصلة التعبئة والنضال ضدّ النظام وضدّ مختلف ركائزه وعن عزمها الكبير على المضي قدما في طريق كنس رموزه المختلفة. وقد كشف ذلك النضال وتلك الإرادة الجماهيرية أن لا شرعية إلا شرعية الجماهير الثورية...
وبينما كان الواقع الموضوعي متفجرا وكانت القوى الرجعية تتلق الضربات تلو الضربات وتشهد انقسامات هامة في صفوفها وضعف في قواها وخاصة في المؤسسة القمعية*, في ذات الحين اتجهت مختلف القوى الإصلاحية والإنتهازية اليمينية إلى مدّ يد المساعدة إلى بقايا الديكتاتور وتوجهت إلى رأس النظام المنصب بعد 14 جانفي تتلمّس منه اصدار مرسوم للحصول منه على "شرعية". أية شرعية هذه التي تبيض وجه النظام من خلال أحد رموزه المورطين عبر تاريخهم الطويل في الجرائم وفي الدفاع على خيارات سياسية واقتصادية مرتبطة عضويا بمصالح الدوائر الإمبريالية. إن فؤاد المبزع لم يكن سوى رئيس برلمان بن علي والنظام تلك الهيئة الصورية التي لم يشارك شعبنا أبدا في انتخابها. بل هي محصلة لانتخابات مهزلة معروفة النتائج مسبقا, انتخابات وقع تزويرها على مدى عشرات السنين وجرت تحت حراب وزارة الداخلية وتحت الإرهاب وفي اوضاع تسيطر عليها المصادرة الكاملة للحريات... فكيف لمن يدّعي الثورية أن يطلب الشرعية من النظام العميل الديكتاتوري ومن رموزه, وفي نفس الوقت يولّي وجهه للجماهير المنتفضة والتي عبرت عن استعدادات لا مثيل لها في التضحية والإرادة في النضال!!!
واصلت القوى الإصلاحية والإنتهازية اليمينية في نفس النهج اليميني الإلتفافي من خلال إقدامها على تشكيل ما اصطلح على تسميته باطلا بـ "المجلس الوطني لحماية الثورة" الذي يحمل اسما لا علاقة له أبدا بمضمون فعله وبتركيبته وطبيعة القوى داخله وبكيفية تشكله. فقد تبين بوضوح ومن خلال متابعة سيرورة تشكله انزلاق تلك القوى اليمينية إلى مواقف لا تخدم أبدا مصلحة الجماهير الثورية التواقة للتحرر والإنعتاق وقد تجلّى ذلك بالخصوص من خلال :
أولا: خضعت تركيبة ذلك المجلس للمحاصصة السياسية والتوافق بين عديد القوى المختلفة تماما جمعتها فقط روح الغنيمة وتقاسم المنافع السياسية ومراكز النفوذ والإنتهازية وأقصيت بذلك كلّ القوى الشبابية والنضالية التي أفرزتها الإنتفاضة الشعبية بينما تمّ إدماج جماعات لا تأثير لها حقيقي في الإنتفاضة الباسلة ولا علاقة لخطها السياسي بالمسار الثوري لانتفاضة الشعب.
ثانيا: ضمّ هذا المجلس داخله قوى رجعية معادية للثورة, بطريقة سافرة أدخلت بلبلة في صفوف الجماهير الشعبية عامة وجماهير المناضلين على الخصوص..., فقد عمد القائمون على هذا التمشي إلى ادماج عديد القوى المفضوح أمرها وانتمائها إلى صفوف القوى الرجعية مثل حركة النهضة والعديد من تفريعاتها, كما كان لتسويق ممثلين عن القيادة البيروقراطية النقابية صلب ذلك المجلس دور خطير في خلط المسائل لدى الجماهير حيث وقع تقديم القيادة البيروقراطية باعتبارها قوّة ثورية وممثل حقيقي لمصالح الطبقة العاملة وعموم الشغالين والكادحين وبذلك تمّ تبرئتها من إرث سنوات طويلة من الخيانة لمصالح الكادحين ولجماهير الشعب وتفويت الفرصة أمام الكادحين وعموم الشغالين لتطهير صفوف المنظمة النقابية الإتحاد العام التونسي للشغل من العناصر البيروقراطية والدستورية المورطة مع النظام.
وقد سهّل ذلك للسلطة وللبيروقراطية عملية ضرب الحركة الجماهيرية ومحاصرتها والتآمر عليها. ولم نلحظ أبدا موقفا مختلفا لتلك القوى ضدّ مؤامرات البيروقراطية. بل عمدت تلك القوى في غالبيتها إلى التغطية على سلوكات البيروقراطية واتهام كلّ صوت نقدي تجاه الأوضاع النقابية وضد البيروقراطية باللامسؤولية وتبرير ذلك بأنّ الظرف غير مناسب لمحاسبة رموز البيروقراطية وإحداث تغيير صلب المنظمة النقابية ...
ثالثا: مثله مثل بيان "جبهة 14 جانفي" الإصلاحية اليمينية المؤرخ في 26 جانفي 2011, توجه بيان "المجلس الوطني لحماية الثورة" أيضا إلى "الرئيس المؤقت" المنصب من طرف الإئتلاف الطبقي الحاكم (بعد سقوط بن علي) ومن طرف الدوائر الإمبريالية, توجه بيان "المجلس" إلى "المبزع" بنداء يطلب فيه اصدار مرسوم لتقنين وجوده!!!
وبذلك ساهمت القوى الإصلاحية بتوجهاتها السياسية في مساعدة القوى المعادية للثورة في توجيه الحركة الشعبية باتجاه ما سمّي "انتقالا ديمقراطيا" وضرب المسار الثوري لحركة الجماهير المنتفضة ذات المصلحة الحقيقية في الثورة على اختيارات النظام اللاوطني واللاديمقراطي واللاشعبي.
وليس غريبا أن سارعت عديد القوى في مطالبة الحكومة القائمة العميلة بتأشيرات لتقنين نشاطها السياسي. في وقت كانت تلك الحكومات تفتقد لأدنى شرعية لدى جماهير شعبنا... إذ يتنزل ذلك في مسار اعتراف تلك القوى بالحكومة والنظام وتلبية النظام بعض من تلك المطالب وردّه للجميل من أجل مسعاه في إعادة توسيع قاعدته من جديد وتمرير مسار "الإنتقال الديمقراطي" الموهوم وفي اتجاه بحثه على التهدئة والعودة بالوضع السياسي المتفجر إلى حالة السلم الإجتماعية واجتذاب قوى سياسية جديدة تملأ الفراغ السياسي الذي نتج عن رفض الجماهير للحزب الحاكم حفاظا على مصالح النظام والطبقات الرجعية ومن ورائها الدوائر الإمبريالية.
وقد نجحت السلطة في شق صفوف تلك القوى وبعثرة التقائها الظرفي من خلال تشكيل "الهيئة العليا لحماية أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي" ونجحت أيضا في إنهاء اعتصام القصبة 2 دون التجائها إلى استعمال العنف.
هذه بعض الملاحظات حول مسار الإنتفاضة في تونس وما اتسم به من منعرجات وصراع بين خط النضال الثوري الجماهيري الذي لم يتبلور بصفة كافية وجلية ولا يملك من القوة ما يمكنه من هزيمة الرجعية بكلّ تلويناتها وبين الخط الإصلاحي اليميني الإلتفافي المساعد في زرع الأوهام حول طبيعة النظام وحول إمكانية تحقيق "الديمقراطية" دون ثورة جذرية حقيقية دون ثورة وطنية تقطع مع الدوائر الإمبريالية وتسعى إلى تفكيك دولة الإستعمار الجديد ومؤسساتها الطبقية المختلفة وتحقّق الديمقراطية الشعبية وتنتصر لجماهير الشعب بطبقاته الكادحة والمضطهدة.
لماذا يا ترى تغيب المفاهيم الثورية الأساسية في الصراع: النضال الوطني رغما عن راهنيته وعن ضرورته المؤكدة في كامل المنطقة وفي عديد من بلدان العالم؟
ولماذا يغيب مفهوم الصراع الطبقي من تحليل تلك القوى؟ لمصلحة من يتمّ ذلك!!!
إنها المصالح المادية والمعنوية المخفية لعديد من تلك القوى البرجوازية والبرجوازية الصغيرة, وهو ما يعكس تهافتها الإنتهازي وانسياق مواقفها في ركاب الخطة الإحتوائية للقوى المضادة للثورة.
إنه لمن أوكد واجبات القوى الثورية الحقيقية تسليط أقسى درجات النقد والنقد الذاتي لكامل المسار الثوري لانتفاضة جماهير شعبنا في تونس وفضح المقولات الرائجة تلك المقولات البرجوازية والتي صنعت في المخابر السياسية والإيديولوجية للقوى الإمبريالية والرجعية مثل مقولة "الإنتقال الديمقراطي"... والتي تلقفتها عديد القوى وانساق ورائها عديد من المناضلين دون تمحيص ولا تفكير نقدي.
فلا ديمقراطية دون ثورة حقيقية تفكّك كامل أجهزة النظام ودولة الإستبداد والعمالة, ولا ديمقراطية دون تحديدها بمصلحة الطبقات ودون رسم العلاقة التناحرية بين جماهير الشعب بطبقاته الكادحة والوطنية وبين الطبقات الرجعية التي لن تتوان باستعمال كلّ الأسلحة المادية العنيفة والإيديولوجية لإخضاع جماهير الشعب والكادحين لسلطتها الرجعية المرتهنة والمرتبطة بالقوى الإمبريالية والقوى الرجعية العربية وغيرها.
هوامش:
* (وهو ما كان يتطلب قوى ذاتية ثورية بقيادة موحدة منظمة ومسلحة بالوعي وبالبرنامج الثوري تعتمد على العمق الشعبي الجماهيري وعلى كفاحية الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وعموم الشعب المفقر )
زهير اللجمي
الوطنيون الديمقراطيون
30 أوت 2011
www.jadal.eu